عرفت الصحافة العربية في القرن العشرين عمالقة ـ بدأ بمحمد حسين هيكل في بداية القرن، ومحمد حسنين هيكل في نهاية نفس القرن. وبين هذين العملاقين اللذان يشتركان مُصادفة في نفس الاسم الأخير، دون قرابة دموية، فقد عرفت الصحافة العربية عُظماء آخرين ـ مثل مصطفى وعلي أمين ومحمد التابعي، وأحمد بهاء الدين، وإحسان عبد القدوس وسعيد فريحة، وأمين معلوف، ومحُسن محمد، وغيرهم.
وكان ما يُميز هؤلاء العمالقة الإعلاميين، هو أن كلا منهم كان مدرسة مُتميزة عما سبقها أو عاصرها. ومثلهم فعل إبراهيم عيسى. فقد بدأ في مدرسة "روزاليوسف" وهي في أواخر عصرها الذهبي، وتوزع على نطاق واسع بالآلاف مصرياً وعربياً، وقبل أن تتحول إلى مطبوعة حكومية لا يقرأها إلا عدة مئات.
ولأن إبراهيم عيسى، كان موهوباً وطموحاً، وهو ما يزال في العشرينات من العمر، فقد جاء بفكر صحفي مُختلف، في مفهومه وفلسفته، ولغته وشكله، وخلق له جمهورها. وكسرت الدستور كثيراً من المُحرمات السياسية والاجتماعية والثقافية. وسُرعان ما أصبحت تلك "الدستور" نموذجاً يُحتذى، لكل من يُريد النجاح صحافياً. ولكن سرعان، أيضاً، ما ضاقت بها السُلطة، وحقدت عليها الصحافة التقليدية والصحفيون المُخضرمون. فاجتمعت عليها معاول الهدم، لخنقها، واستصدار قرارات إدارية لوأدها. وغابت، أو غُيّبت "دستور" إبراهيم عيسى الأولى عدة سنوات، ثم عادت رغم المُلاحقات، بأحكام قضائية باتة ونهائية. وكان من حُسن تقدير عصام فهمي وأصحاب الدستور الأولى، أن يواصلوا الاعتماد على نفس الشاب المُتوهج، إبراهيم عيسى، لموقع القيادة. ولم يُخيّب إبراهيم عيسى لا ظن القرّاء ولا أصحاب الصحيفة. فعادت تُحلق في سماوات جديدة. واستمرت تدافع عن استقلاليتها من ناحية، واستمرت في معاركها الجرئية ضد الاستبداد والفساد من ناحية أخرى. ولم يكن لديها خطوطاً "حمراء"، فاقتحمت أبواب الرئاسة والداخلية، والخارجية، والدفاع، والأزهر، والكنيسة، وهي التي كانت إلى تاريخه تُسمي نفسها جهات أو وزارات "سيادية"، تُخيف، وتردع كل من يقترب منها. لقد كانت بمثابة "الأبقار المُقدسة" التي يوقّرها أصحاب الديانة الهندوسية، دون أن يقتربوا منها.
وكان طبيعياً والأمر كذلك، أن يُصيب إبراهيم عيسى كل من لديهم "عمى الألوان"، وخاصة عمى "اللون الأحمر"، فصدرت ضده أحكام بالسجن، تم التراجع عنها أو وقف تنفيذها، تحت ضغوط شعبية عارمة. وكلما اعتقدت السُلطة أن إبراهيم عيسى قد تعلم الدرس ولن يعود إلى "شقاوته" المُعتادة، خيّب إبراهيم اعتقادها. وكلما اعتقد إبراهيم أن السُلطة قد تعلمت الدرس، وستكُف عن مُلاحقته، خيّبت هذه السُلطة اعتقاده.. واستمرت مواجهات "الكتيبة الانتحارية" للدستور، مع الجيش العرمرم للسُلطة.
وكما في حروب "العصابات" مع "الجيوش النظامية"، كانت كتيبة الدستور تُعوّض نقص أسلحتها الثقيلة في مواجهة تلك التي يملكها جيش السُلطة، بنفس الطُرق والوسائل: الذكاء وسُرعة الحركة، والمُباغتة، ثم الاختفاء والاحتماء والذوبان في الجماهير العريضة، والتي هي في هذه الحالة مئات الآلاف من القّراء الأوفياء للدستور.
فهناك بالفعل حالة عشق صوفية بين إبراهيم عيسى، شيخ الطريقة الدستورية الإبراهيمية العيساوية، والآلاف من مُريديه. ولذلك فهم، مثل من أخذوا "العهد" أو "السر" على شيخ الطريقة، ينتقلون إليه، ومعه حيثما كان أو حيثما ذهب. إن إبراهيم عيسى هو الذي خلق الطريقة "الدستورية ـ الإبراهيمية ـ العيساوية" ولم تخلقه الطريقة.
وكان جديراً بمن اشترى جريدة "الدستور"، أن يُدركوا أنهم لم يشتروا شيخ الطريقة. فإبراهيم عيسى ليس "عبداً"، يُشترى، والعصا معه" فالعبيد المناكيب هم فقط الذين يُشتروا، وهم كثيرون في صُحف السُلطة والصحافة الصفراء.
فإذا كان الدكتور السيد البدوي، وراء القرار، أو شريكاً فيه، فإنه يكون قد أخطأ خطأ جسيماً، ليس فقط في حق إبراهيم عيسى، ولكن أيضاً في حق نفسه، وفي حق حزب الوفد الذي أصبح رئيساً له، وفي حق الجمهور المليوني من قرّاء الدستور، الورقية والإلكترونية. وهؤلاء ليسوا كأي مليون آخرين في مصر المحروسة، ولكنهم المليون الأكثر تعليماً، والأكثر وعياً، والأكثر تهيئواً للحركة الاجتماعية الواعية، وهم حركة "كفاية" وحركة "شباب من أجل التغيير"، ونساء"شايفنكوا" وهم بُثينة كامل، وغادة شهبندر.
لقد علّق على خبر إبراهيم عيسى والدستور، في جريدة "الشروق" فقط، فور نشر الخبر، صباح الثلاثاء، مائة قارئ، أدان 99 في المائة قرار د. السيد البدوي، ومن يسيرون على دربه من أصحاب المال وأصحاب القرار. إن هؤلاء المائة الذين بادروا بالتعليق خلال ساعة من نشر الخبر، ليسوا هم قُرّاء الدستور المُعتادين، ولكنهم قرّاء صحيفة يومية أخرى مُنافسة. ومع ذلك فإن حرصهم على استمرار المُنافسة الشريفة والصحيحة هي التي دفعتهم لأخذ مُبادرة التعليق، والتعبير عن الاستياء لما فعله "أصحاب المال" و"أصحاب القرار". إن هؤلاء المائة هم طليعة الكتيبة المليونية الأكثر وعياً. إنهم "أصحاب الأفكار".
لقد كانت أحد أساليب "أصحاب القرار" لحصار "أصحاب الأفكار"، هو تعبئة "أصحاب المال"، بمُقاطعة الإعلان في الدستور، حتى يتغير حالها. ومع ذلك فقد صمدت كتيبة الدستور، بفضل "المَدَد الروحي" للمُريدين من أنصار الطريقة الإبراهيمية العيساوية.
ربما لو زار د. السيد البدوي ضريح السيد البدوي، في نفس مدينته طنطا، ورأى آلاف المُريدين يتحلقون حول الضريح، لأدرك السر الباتع للشيخ إبراهيم عيسى.
وكان ما يُميز هؤلاء العمالقة الإعلاميين، هو أن كلا منهم كان مدرسة مُتميزة عما سبقها أو عاصرها. ومثلهم فعل إبراهيم عيسى. فقد بدأ في مدرسة "روزاليوسف" وهي في أواخر عصرها الذهبي، وتوزع على نطاق واسع بالآلاف مصرياً وعربياً، وقبل أن تتحول إلى مطبوعة حكومية لا يقرأها إلا عدة مئات.
ولأن إبراهيم عيسى، كان موهوباً وطموحاً، وهو ما يزال في العشرينات من العمر، فقد جاء بفكر صحفي مُختلف، في مفهومه وفلسفته، ولغته وشكله، وخلق له جمهورها. وكسرت الدستور كثيراً من المُحرمات السياسية والاجتماعية والثقافية. وسُرعان ما أصبحت تلك "الدستور" نموذجاً يُحتذى، لكل من يُريد النجاح صحافياً. ولكن سرعان، أيضاً، ما ضاقت بها السُلطة، وحقدت عليها الصحافة التقليدية والصحفيون المُخضرمون. فاجتمعت عليها معاول الهدم، لخنقها، واستصدار قرارات إدارية لوأدها. وغابت، أو غُيّبت "دستور" إبراهيم عيسى الأولى عدة سنوات، ثم عادت رغم المُلاحقات، بأحكام قضائية باتة ونهائية. وكان من حُسن تقدير عصام فهمي وأصحاب الدستور الأولى، أن يواصلوا الاعتماد على نفس الشاب المُتوهج، إبراهيم عيسى، لموقع القيادة. ولم يُخيّب إبراهيم عيسى لا ظن القرّاء ولا أصحاب الصحيفة. فعادت تُحلق في سماوات جديدة. واستمرت تدافع عن استقلاليتها من ناحية، واستمرت في معاركها الجرئية ضد الاستبداد والفساد من ناحية أخرى. ولم يكن لديها خطوطاً "حمراء"، فاقتحمت أبواب الرئاسة والداخلية، والخارجية، والدفاع، والأزهر، والكنيسة، وهي التي كانت إلى تاريخه تُسمي نفسها جهات أو وزارات "سيادية"، تُخيف، وتردع كل من يقترب منها. لقد كانت بمثابة "الأبقار المُقدسة" التي يوقّرها أصحاب الديانة الهندوسية، دون أن يقتربوا منها.
وكان طبيعياً والأمر كذلك، أن يُصيب إبراهيم عيسى كل من لديهم "عمى الألوان"، وخاصة عمى "اللون الأحمر"، فصدرت ضده أحكام بالسجن، تم التراجع عنها أو وقف تنفيذها، تحت ضغوط شعبية عارمة. وكلما اعتقدت السُلطة أن إبراهيم عيسى قد تعلم الدرس ولن يعود إلى "شقاوته" المُعتادة، خيّب إبراهيم اعتقادها. وكلما اعتقد إبراهيم أن السُلطة قد تعلمت الدرس، وستكُف عن مُلاحقته، خيّبت هذه السُلطة اعتقاده.. واستمرت مواجهات "الكتيبة الانتحارية" للدستور، مع الجيش العرمرم للسُلطة.
وكما في حروب "العصابات" مع "الجيوش النظامية"، كانت كتيبة الدستور تُعوّض نقص أسلحتها الثقيلة في مواجهة تلك التي يملكها جيش السُلطة، بنفس الطُرق والوسائل: الذكاء وسُرعة الحركة، والمُباغتة، ثم الاختفاء والاحتماء والذوبان في الجماهير العريضة، والتي هي في هذه الحالة مئات الآلاف من القّراء الأوفياء للدستور.
فهناك بالفعل حالة عشق صوفية بين إبراهيم عيسى، شيخ الطريقة الدستورية الإبراهيمية العيساوية، والآلاف من مُريديه. ولذلك فهم، مثل من أخذوا "العهد" أو "السر" على شيخ الطريقة، ينتقلون إليه، ومعه حيثما كان أو حيثما ذهب. إن إبراهيم عيسى هو الذي خلق الطريقة "الدستورية ـ الإبراهيمية ـ العيساوية" ولم تخلقه الطريقة.
وكان جديراً بمن اشترى جريدة "الدستور"، أن يُدركوا أنهم لم يشتروا شيخ الطريقة. فإبراهيم عيسى ليس "عبداً"، يُشترى، والعصا معه" فالعبيد المناكيب هم فقط الذين يُشتروا، وهم كثيرون في صُحف السُلطة والصحافة الصفراء.
فإذا كان الدكتور السيد البدوي، وراء القرار، أو شريكاً فيه، فإنه يكون قد أخطأ خطأ جسيماً، ليس فقط في حق إبراهيم عيسى، ولكن أيضاً في حق نفسه، وفي حق حزب الوفد الذي أصبح رئيساً له، وفي حق الجمهور المليوني من قرّاء الدستور، الورقية والإلكترونية. وهؤلاء ليسوا كأي مليون آخرين في مصر المحروسة، ولكنهم المليون الأكثر تعليماً، والأكثر وعياً، والأكثر تهيئواً للحركة الاجتماعية الواعية، وهم حركة "كفاية" وحركة "شباب من أجل التغيير"، ونساء"شايفنكوا" وهم بُثينة كامل، وغادة شهبندر.
لقد علّق على خبر إبراهيم عيسى والدستور، في جريدة "الشروق" فقط، فور نشر الخبر، صباح الثلاثاء، مائة قارئ، أدان 99 في المائة قرار د. السيد البدوي، ومن يسيرون على دربه من أصحاب المال وأصحاب القرار. إن هؤلاء المائة الذين بادروا بالتعليق خلال ساعة من نشر الخبر، ليسوا هم قُرّاء الدستور المُعتادين، ولكنهم قرّاء صحيفة يومية أخرى مُنافسة. ومع ذلك فإن حرصهم على استمرار المُنافسة الشريفة والصحيحة هي التي دفعتهم لأخذ مُبادرة التعليق، والتعبير عن الاستياء لما فعله "أصحاب المال" و"أصحاب القرار". إن هؤلاء المائة هم طليعة الكتيبة المليونية الأكثر وعياً. إنهم "أصحاب الأفكار".
لقد كانت أحد أساليب "أصحاب القرار" لحصار "أصحاب الأفكار"، هو تعبئة "أصحاب المال"، بمُقاطعة الإعلان في الدستور، حتى يتغير حالها. ومع ذلك فقد صمدت كتيبة الدستور، بفضل "المَدَد الروحي" للمُريدين من أنصار الطريقة الإبراهيمية العيساوية.
ربما لو زار د. السيد البدوي ضريح السيد البدوي، في نفس مدينته طنطا، ورأى آلاف المُريدين يتحلقون حول الضريح، لأدرك السر الباتع للشيخ إبراهيم عيسى.