بقلم / أ. شادي طلعت .. مواطن قوة أمريكا 6- العلمانية الأمريكية

في سيلق حديثنا عن مواطن القوة الأمريكية و التي ذكرنا قبل حديثنا هذا 5 مواطن من وجهة نظرنا و التي نحاول من خلالها أن تكون شعلة مضيئة لوطننا الأم في سبيل النهضة و التقدم ، و قد سبق و أن تحدثنا من قبل عن كل من :

1- آلية إتخاذ القرار

2- كيف يأتي الرئيس

3- التضامن الإجتماعي

4- المرأة

5- التعليم

و الآن نتحدث عن العلمانية الأمريكية !؟ و عندما نقول العلمانية و نتحدث عن أمريكا فإننا نقول العلمانية الأمريكية و لا بد لنا من الربط بين الإسمين فالعلمانية في أمريكا تختلف عن نظيرتها في أوربا فقي أوربا يطبقون العلمانية من أجل حماية الدولة من الدين ، أما في أمريكا فإنهم يطبقون العلمانية من أجل حماية الدين من الدولة !؟

من هنا يأتي الإختلاف و الإختلاف كبير و شتان الفارق بينهما و تعالوا نلقى نظرة على العلمانية في أوربا أولاً :

قبل ظهور العلمانية في أوربا كان للكنيسة التدخل الأكبر في شؤن الحكم و كانت الكنيسة ترجع كافة الأمور إلى الغيبيات حتى و إن تعارضت أحكامها مع العلم ! و قد دفع كثير من العلماء ثمن التصادم مع الكنيسة فيما يخص العلم ، و لكن و بعد ظهور العلمانية على الواقع العملي بدأت المسألة تأخذ شكلاً صدامياً ما بين العلمانين و رجال الدين و في النهاية إنتصر العلمانيون و فرضوا نظريتهم و التي إستطاعوا من خلالها النهوض بأوربا و الخروج بها من الوحل ، و إنطلقوا بها إلى ركب الحضارة و التقدم و لكن لماذا كان هذا الصدام بين رجال الدين و العلمانيين ؟

إن أوربا يسودها ديانة عظمى يؤمن الأغلبية بها و هي المسيحية ثم تأتي بعض الديانات و المعتقدات الأخرى و هي نسبة قليلة لا تشكل بأي حال من الأحوال قوة حتى و إن إجتمعت في صف واحد أو إعتنقت ديناً واحداً في مواجهة المسيحية ، من هنا كان الصراع بين جبهتين فقط .. العلمانيون و رجال الكنيسة .

و الآن لنلقى نظرة على العلمانية الأمريكية :

أمريكا مجتمع كبير يسوده الديانة المسيحية كما يوجد فيه في الأديان و المعتقدات المختلفة ما يفوق مثيله في أوربا بمراحل فهي كوكتيل من الأديان و المعتقدات أكبر من أوربا حتى و إن كانت تسوده المسيحية ، و بما أن الهوية تختلف و تتعدد طبقاً للعرق أو الجنس أو الدين .. و هو ما يمكن ان يؤثر على القوة المتمركزة في الإتحاد الفيدرالي إذ أن أمريكا كما أنها مجتمع متعدد الأديان فإن ذلك و إن كان خطراً يهدد الإتحاد الفيدرالي فإنه لن يكون الخطر الوحيد إذ أن الهوية قد تكون عرقية أيضاً ! فهي مجتمع به شعب من عدة شعوب .. فالبعض من أصول آسيوية و بها شعب من أصول أوربية و بها شعب من أصول أفريقية و كل شعب ينقسم غي داخله فالشعب الأمريكي الأوربي الأصل على سبيل المثال فيه غالبية من أصول أيرلندية و بها غالبية من أصول المانية و كلاهما ذا ثقافات مختلفة ! و قد تجتمع الشعوب على أصولها العرقية حتى و إن إختلفت معتقداتهم و أديانهم مثل المصريون بالخارج نجد تآلفاً بينهم حتى و إن إختلفت معتقداتهم أو أديانهم فالهوية المصرية توحدهم و تطغى على الهوية العربية .

من هنا خشى الأمريكيون من التعددية أن تكون هوية في يوم ما ، و لحل هذه المعضلة فإنك أمام إحدى خيارين :

أولهما / أن تفرض معتقداً جديد على كافة الشعوب الأمريكية و هذا يفترض عليك الدخول في معارك قد تنتهي إلى حروب أهلية !

و الخيار الثاني / أن تكفل الحماية لكافة المعتقدات و الأديان ، في ظل دستور و قانون و أن تفرض هوية أخرى ترضي الجميع و تكون بعيدة عن الدين !

و قد أخذ الأمريكيون بالخيار الثاني و الذي إستطاعوا من خلاله أن يحافظوا على الدين من الدولة ففي أمريكا لا تجد صراعاً بين رجال الدين أياً كانوا مسيحين أو مسلمين أو يهود أو .... إلخ ، و بين العلمانيون ، و في نفس الوقت نجد أن كافة الشعائر و الأديان تمارس بحرية تامة دون أي مساس بها ، و حرية العقيدة أمر ليس فيه أزمة فكل صاحب دين حر في التمسك به أو تركه أياً كانت ديانته فالمسألة في النهاية حرية شخصية و بما أن الهوية ليست دينية فلن تكون هناك أزمة في أن يترك أصحاب الدين ديانتهم و يتمسكون بأخرى .

الفرق بين العلمانية الأوربية و العلمانية الأمريكية :

في أوربا مع وجود و تطبيق العلمانية بوجهة النظر الأوربية لا زال التطرف و التعصب موجوداً ، و لازالت الأقليات في أوربا تعاني من تمييز و تفرقة بين الأقليات الدينية ، و واقع الأمر أن التفرقة و التمييز ليست كمثيلاتها في مصر أو دول الشرق الأوسط إذ أنها بالطبع بدرجة أقل و لكنها موجودة و لها آثارها .

أما في أمريكا فالأمر مختلف فهي مجتمع لا يوجد فيه تميز أو تفرقة على أساس ديني فحرية العقيدة فيها مباحة ، و أذكر لكم على سبيل المثال أن مدينة شيكاغو بها 14 مسجداً تقام فيها الشعائر الإسلامية بكل حرية و إحترام من الآخرين .

كما أذكر قبل أن أختتم مقالي المطرب الراحل مايكل جاكسون فبعد وفاته تضاربت الأقوال حول وفاته و هو على الدين الإسلامي و وقتها شغل المسلمون أنفسهم بتلك المسألة و تفاخروا بأن مايكل جاكسون قد توفي مسلماً ! في حين أن الأمريكين لم ينظروا للمسألة كما نظر إليها المسلمون إذ أن شاغلهم الأكبر هو حقيقة دينه ليدفن على طريقته إحتراماً لدينه سواء أكان الإسلام أم غير الإسلام فالشعب الأمريكي عندما أحب مايكل جاكسون أحبه لأنه فنان متميز و ليس لدينه !

هذه هي العلمانية الأمريكية و التي أرجوا أن أكون قد إستطعت تبسيطها و نقلها إليكم بشكل واضح و مفهوم ، و لنا حديث آخر في موطن آخر من مواطن القوة الأمريكية و سيكون عن "الهوية الأمريكية"

وعلى الله قصد السبيل

شادي طلعت