يقلم / د. أيمن نور .. لماذا أخوض الإنتخابات الرئاسية

لماذا أخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة؟! أو - بالأصح - لماذا أسعي لتكرار تجربة خوض الانتخابات الرئاسية في وطن تعد فيه هذه الخطوة كدخول غابة، الداخل إليها «مفقود» والخارج منها «مولود»!!

.. بالقطع الإجابة ليست هي عشق «الخطر»!! وإلا كان أيسر عليّ احتراف المصارعة الحرة، أو مصارعة الثيران، أو تسلق الجبال، فالإجابة الأدق هي عشق «الوطن» وليس عشق الخطر!!

.. عندما كنت أول من قدم أوراق ترشيحه في أول انتخابات رئاسية مصرية «سبتمبر 2005» قلت: «من يدخل الغابة لا يخشي حفيف الأشجار»!! وعندما انحازت غالبية أصوات أعضاء الهيئة العليا لحزب الغد في 14 فبراير 2010 لإعادة ترشيحي لرئاسة الجمهورية في 2011، قلت: خوضي للانتخابات الأولي كان قراري، واليوم هو مصيري!!

.. أعظم كتاب قرأته في حياتي، هو السجن، الذي دخلته بعد أيام من حلولي «ثانيا» ووصيفاً للرئيس من بين عشرة مرشحين!! وأعظم ما قرأت في سنوات السجن، بيتاً للشاعر الفلسطيني معين بسيسو يقول فيه: «أنت إن سكت مت- أنت إن نطقت متْ - فقلها ومُت!!».

.. خوضي الانتخابات الرئاسية المقبلة، محاولة للبوح بكل المسكوت عنه، فمصر ليست حكراً علي حزب، أو أسرة، أو شخص!! مصر ليست أسيرة للكاب، خوفاً من العمامة، فهناك بديل ثالث، ليس وريثاً للاستبداد، ولا نصيراً لتطرف أو شطط، أو هزل في موضع الجد!!

.. يدعي النظام أني «ممنوع»، وأن غيري «محظور»، وغيره «لا تنطبق عليه المواصفات القياسية وفقا لمعيار 76»!!!!! لكن النظام لا يمكنه أن يجمع بين كل هذه الادعاءات، ويتمسك بها في آن واحد!!!!!

.. بإمكان النظام أن يضع عصاه في عجلة واحدة، لكنه لا يملك أن يضع العديد من العصي في كل العجلات في الوقت ذاته!!

.. لو لم أتقدم لخوض الانتخابات الرئاسية الأولي في تاريخ مصر عام 2005، لكان النظام أجري أنزه انتخابات في تاريخه، فلم يكن مضطرا لأن يزور، أو ليسجن منافسه، أو ليخرج أنيابه وأظافره ليكشف حقيقته الاستبدادية، ونواياه الاحتكارية، لكان النظام هو الذي بادر باستدعاء الرقابة الدولية لتشهد تجربة عظيمة - حيث لا منافسة - ولا بديل حقيقيا!!

.. أسجل بدون تردد أن أعظم مشهد في الانتخابات الرئاسية الأولي، هو مشهد الناس والشباب والبسطاء الذين خرجوا يؤيدونا «رغم الخوف والقهر والتشويه» من كل محافظات ومدن وقري مصر، رافعين شعار «الأمل في التغيير»، وأسجل بكل أسف أن المشهد الأسوأ علي الإطلاق، كان موقف معظم النخبة الخائنة - الحاكمة والمعارضة - التي اعتبرت نجاحي هو إعلان لسقوطهم، وضياع لأحلامهم، وبالأدق أوهامهم.

.. كان - ومازال - الناس هم غايتي، وكتائبي، وراياتي، هم الذين يشدوا من أزري، وأسرجوا خيولي، كانوا صوتي، الذي ارتفع بأصواتهم، وفمي الذي نطق بأوجاعهم، وحلمي الذي جدد أحلامهم، وآمالهم - كانوا حريتي حتي في سجني، بينما كانت النخبة - ومازالت - تسجنني حتي في حريتي.

تقبل بموتي المجاني، ترقص وأنا أصلب، لا تتقزز وهي تري السلطة تأكل لحمي نيئاً - فقط - تتعجب من بقائي حياً!!

.. كان خوضي الانتخابات الرئاسية الماضية، وجعاً في قلب - نخبة حاكمة - أرادت أن تباهي بانتخابات حرة داخليا وخارجيا، تؤجل بها استحقاقات الإصلاح والتغيير، وأفقدها استبدادها، وعدم احتمالها للمنافسة هذه الفرصة!!!!

.. كما كان خوضي للمعركة، وحجم تفاعل الناس معي، والتفافهم حولي، دبوساً في عصب النخبة المعارضة، التي دعت للمقاطعة، واعتبرت معركتي ونتائجها معركة ضد القادة التاريخيين، ضد الدراويش، والطرابيش وأهل الكهف.

.. كم مارست علي نفسي رقابة تصل إلي حد الوجع، كي لا أفصح عن قدر شعوري بالمرارة من موقف بعض هذه النخبة، واستمرار إصرارها علي الكيل بمكيالين، وغياب العدالة والنزاهة، والحيدة في أحكامها ومواقفها.. غير الموضوعية.

.. كم قررت أن أقول عنهم بعض الحقيقة، بذات الحماس الذي يقولون به عني الزور إلا أنني دائماً كنت أكتشف أن الضمائر، والحقائق، والكائنات الميتة، لا تحتاج لشهادة وفاة!!

.. كان بإمكاني أن أتجنب السير علي أسطح من المسامير المشتعلة، وأرفع قبعتي لكل الموروثات الحاكمة والمعارضة وأنحاز لأنصاف الحلول والرجال والمواقف!!

.. لكني أؤمن بهذا الشعب وبهذا الوطن بقدر إيماني بأنه أفضل من نخبته وحكامه.. ولهذا وغيره رشحت نفسي.